الباب الرابع: في مقاصد الحج من حين الإحرام إلى الرجوع عنه

فاصل في آداب الإحرام

وهي ستة:

١ – الأول: ذا انتهى إلى الميقات المشهور الذي يُحرم الناسُ منه: يغتسل، وينوي به غسل الإحرام، ويتأهب للإحرام بحلق العانة، وتنظيف الإبط، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، وتسريح اللحية، وحلق الرأس لمن اعتاده من الرجال، ويقدم هذه الأمور على الغسل، وتغتسل له الحائض والنفساء باتفاق الأربعة.

٢ - الثاني: أن يتجرد الرجل والصبي عن الثياب المَخيطة وكلِّ ما يحرُم لبسه، ويلبس ثوبي الإحرام، والأفضلُ أن يكونا أبيضين، باتفاق الأربعة.

٣ - الثالث: أن يتطيب في ثيابه وبدنه عند الشافعية والحنفية والحنابلة؛ خلافاً للمالكية، ولا بأس بطيب يبقى جرمُه بعد الإحرام.

4 - والرابعأن يصلي ركعتي الإحرام إن لم يكن وقت الكراهة، والأفضل عند الحنفية والحنابلة أن يحرم عقب الصلاة، إما فرضاً، وإما تطوعاً.

٥ - الخامس: أن يصبر بعد لبس الثياب حتى تنبعث به راحلته إن كان راكباً، أو يبدأ بالسير إن كان راجلاً، فعند ذلك ينوي الإحرام بالحج أو بالعمرة، قِراناً أو إفراداً أو تمتعاً كما أراد.

٦ - السادس: يُستحب تجديدُ التلبية وإكثارُها في الجملة باتفاق الأربعة في دوام الإحرام.

٧ - السابع: في التلبية وصفتها: عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-: أن النبيَّ ﷺ كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة، أهلَّ، فقال”: لبيك اللهمَّ لبيك، لبيك لا شريكَ لكَ لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لكَ، والملكَ، لا شريك لك".

فصل في قطع التلبية

عن الفضل بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، قال: كنت رَديفَ رسول الله ﷺ من جَمْعٍ إلى مِنى، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، رواه الجماعة، وفي هذا دليل على أن التلبية تستمر إلى رمي جمرة العقبة، وإليه ذهب الجمهور.

فصل في آداب الطواف

إذا أراد افتتاح الطواف؛ إما للقدوم، وإما لغيره، فينبغي أن يراعي أموراً:

1-الأولالطهارة، وفي وجوبها في المطاف نزاع بين العلماء؛ فإنه لم ينقل أحدٌ عن النبي ﷺ أنه أمر بالطهارة للطواف، ولا نهى المحدِثَ أن يطوف، ولكنه طاف طاهراً

2-الثانيستر العورة.

٣ - الثالثالاضطباع، وهو مستحب عند الجمهور، الاضطباع: أن يجعل وسطَ ردائه تحت إبطه اليمنى، يجمع طرفيه على منكبه الأيسر، فيرخي طرفاً وراء ظهره، وطرفاً على صدره بالاتفاق.

٤ - الرابع: أن يَرْمُل في ثلاثة أشواط، ويمشي في الأربعة الآخر على الهيئة المعتادة.

٥ - الخامس: ألا يطوف في جورب ونحوه.

٦ - السادس: ألا يستلم من الأركان إلا اليمانيين.

٧ السابع: يُستحب أن يقبل الحجرَ الأسود، وإليه ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين 

٨ - الثامن: يُستحب السجدة عليه عند الشافعية والحنفية؛ لحديث ابن عباس موقوفاً: أنه كان يقبل الحجرَ الأسودَ، ويسجد عليه، أخرجه الشافعي.

٩ - التاسع: ألا يستلم ولا يقبِّل غيرَ ما ذُكر من البيت وغيره.

١٠ - العاشر: أن يطوف ماشياً، وإن لم يمكنه فطاف راكباً أو محمولاً، أجزأه بالاتفاق.

١١ - الحادي عشر: استحب الشافعي وأصحابه، والحنابلةُ أن يقول عند ابتداء الطواف واستلام الحجر: "بِاسم الله، واللهُ أَكبر، اللهمَّ إيمانًا بك.

فصل في صفة الطواف

إذا وصل إلى الحجر الأسود، فَلْيحاذِه بجميع بدنه؛ كما قال الشافعية، والحنابلة، فيقف عن يمينه مستقبلَ البيت، أو يقف والبيتُ عن يساره قبل محاذاة الحجر الأسود، وينوي عند الأربعة بطوافه الأول: طواف القدوم، إن كان محرماً بالحج وحده، ودخل مكة قبل الوقوف، وإن قدم محرماً بالعمرة وحدها، نوى بطوافه طواف العمرة باتفاقهم، وإن قدم محرماً بالحج والعمرة، ودخل مكة قبل الوقوف، نوى بطوافه طواف القدوم عند الشافعية، والمالكية، والحنابلة.

فصل في السعي

في الحديث "إن الله كتب عليكم السعي"، وفي رواية "فاسعوا" رواه أحمد، واستدل به من قال: بأن السعي فرض، وهم الجمهور، وعند الحنفية: أنه واجب يُجبر بالدم، وصفة السعي: أن يخرج من باب الصفا باتفاق الأربعة؛ كما فعل رسول الله ﷺ، وهو في محاذاة الضلع الذي بين الركن اليماني والحجر، ويُستحب أن يقدِّم رجلَه اليسرى في الخروج من المسجد، ويقول عند خروجه: "اللهمَّ افتحْ لي أبوابَ رحمتك".

فصل في المسير إلى منى، ومنها إلى عرفة

إذا كان يوم التروية؛ أيثامن ذي الحجة، أحرم بالحج، فيفعل كما فعل عند الميقات، إن شاء أحرم من مكة، وإن شاء من خارج مكة، مكياً كان أو غير مكي عند الشافعية والمالكية، وأصحابُ النبي ﷺ أحرموا كما أمرهم النبي ﷺ من البطحاء، وإن السنة أن يُحرم من الموضع الذي هو نازل فيه، والسنةُ: أن يبيت الحاج بمنى، فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، باتفاق الأربعة، والسنة: أن يمكث بمنى حتى تطلع الشمس، باتفاق الأربعة، كما فعل النبي ﷺ ، فإذا قرب من عرفات، فيستحب نزوله بالموضع المعروف بنَمِرَةَ، ثم يسير منها إلى بطن الوادي، وهو موضع النبي ﷺ الذي صلى فيه الظهر والعصر وخطبَ، وهو في حدود عرفة، ويُستحب أن يذهب الإمامُ والناس إلى المسجد المعروف بمسجد إبراهيم؛ حيث صلى رسولُ الله ﷺ.

فصل في الوقوف بعرفة

إذا صلى الناسُ الظهر والعصر بمسجد إبراهيم كما ذكرنا، يذهب إلى عرفات، فهذه السنة، وبالجملة: يقف بعرفةَ من بعد الزوال إلى غروب الشمس، كما فعل سيدنا رسول الله ﷺ لا يخرج منها حتى تغرب، ولو وقف نهاراً، ثم فارق عرفة قبل الغروب، أراق دماً استحباباً عند الشافعية، ووجوباً عند أبي حنيفة، وقد روي عن النبي ﷺ:"أنه قال: خيرُ الدعاء دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلت أنا والنبيون من قبليلا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير".  ويستحب أن يستكثر من أعمال الخير في يوم عرفة وسائرِ أيام العَشْر، ويواظب في الوقوف بعرفة على تلاوة القرآن والذكر والدعاء بآدابه.

فصل في الإفاضة من عرفة إلى المزدلفة

إذا غربت الشمس واستحكم غروبها بحيث تذهب الصفرة، فالسنة أن يفيض الإمام والناسُ من عرفة مُلَبين، ويكون في الطريق رافعاً صوته بالتلبية، فإذا وصل إلى مزدلفة، فلْيبتْ بها، وهو واجب عند الشافعي والحنابلة، وسنة عند الحنفية والمالكية، والسنة بالاتفاق: أنه يصلي بالمزدلفة الصبح في أول وقتها، ثم يسير إلى قُزَح.

فصل في الوقوف بالمشعر الحرام

قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ] البقرة: ١٩٨[ فإذا أفاض من عرفات، ذهب إلى المشعر الحرام على طريق المأزمين، وهو طريق الناس اليوم.

فصل في رمي جمرة العقبة يوم النحر

إذا وصل إلى منى، يستحب ألا يعرج على شيء من نزول أو حط رحل أو غير ذلك حتى يرمي جمرة العقبة بالاتفاق، وهو تحية منى، وهي في آخر منى مما يلي مكة المشرفة، وهي الجمرة الكبرى، ولا يرمي يوم النحر غيرها، فإذا وصل إليها، فالأفضل عند الشافعية، والحنفية، والمالكية: أن يقف تحتها، ويجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، ويستقبل الجمرة، هذا هو الذي صح عن النبي ﷺ فيها، ومذهب الحنابلة: أن الأفضل أن يستبطن الوادي، ويقف مستقبل القبلة، ويرميها عن يمينه.

ويدخل وقت رمي جمرة العقبة بنصف الليل من ليلة العيد، ويمتد إلى آخر أيام التشريق، إذا رمي جمرة العقبة، وفرغ منه، ينصرف إلى منى، وينحر هدياً إن كان معه، والأضحيةُ سنة مؤكدة للحاجِّ كغيره عند الشافعية، وعند الحنفية: أنه ليس على المسافر أضحية، وعند المالكية: أن الأضحية لا تشرع للحاج بمنى كصلاة العيد، فإذا فرغ من الذبح، فالسنة عند الشافعية: أن يحلق رأسه كلَّه، أو يقصِّر من شعر رأسه، ويستقبل القبلة، إذا فرغ من الحلق أو التقصير، فالسنة: أن يفيض من منى إلى مكة، ويطوف بالبيت سبعاً ينوي به طواف الإفاضة، ثم يصلي الركعتين، والحائض لا تطوف بالبيت حتى تطهر، وهي ممنوعة من ذلك بالاتفاق.

فصل في المبيت بمنى، وما يفعل في أيامها

عن عائشة، قالت: أفاض رسول الله ﷺ من آخر يوم النحر حتى صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية، فيطيل القيام، ويتضرع، ويرمي الثالثة، ولا يقف عندها، رواه أحمد، وأبو داود. وفي الباب أحاديث بألفاظ استدل بها الجمهور على أن المبيت بمنى واجب، وأنه من جملة مناسك الحج.

فصل في صفة العمرة المفردة

إذا أراد أن يعتمر قبل حجه أو بعده كيفما أراد، فليغتسل لإحرامه، ويتجرد عن المَخيط، ويلبس ثوبي الإحرام، ويصلي ركعتيه، ويحرم بالعمرة من ميقاتها. وأفضل مواقيتها: الجعرانة ثم التنعيم، وينوي العمرة، ويلبي، ويقصد مسجد عائشة، ويعود إلى مكة وهو يلبي حتى يدخل المسجد الحرام، ويطوف بالبيت سبعاً ينوي به طواف العمرة، ويرمُل فيه بالاتفاق، ويضطبع، عند الثلاثة غير المالكية، ثم يصلي ركعتي الطواف، ثم يعود إلى الحجر الأسود، فيستلمه، ثم يخرج من باب الصفا، ويسعى سبعاً، فإذا فرغ من السعي نحر الهدي إن كان معه، ثم حلق أو قصر، وحل بذلك عند الأربعة.

فصل في طواف الوداع

إذا فرغ الحاج من المناسك، وأراد الإقامة بمكة، لم يطف للوداع، وبه قال الحنابلة: وإن أراد مفارقة مكة والعودَ إلى وطنه، وجب عليه عند الشافعية طواف الوداع، سواء كان وطنه في الحرم، أم خارجه، وعند الحنابلة: أنه يجب على من أراد مفارقة الحرم والعودَ إلى وطنه.


رحلة الصديق إلى البيت العتيق
رحلة الصديق إلى البيت العتيق
محمد صديق حسن خان القنوجي البخاريّ
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00