الباب الثالث: في مبادئ الحج والعمرة

فصل في الترغيب في الحج والعمرة

عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، قال: سُئل رسول الله - ﷺ: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال:” إيمان بالله ورسوله"، قيلثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيلثم ماذا؟ قال: "حج مبرور"، أخرجه الشيخان، وابنُ حبان في "صحيحه"، قال ابن إسحاق: إنه لم يبعث الله نبياً بعد إبراهيم إلا وقد حجَّ البيت. وعنه ﷺ أنه قال: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بسبع مئة ضعف".

فصل في آداب سفر الحج، وهي كثيرة

منها:

١ - أنَّ من عَزَمَ على الإتيان بفريضة الله، والإجابة لنداء خليل الله، وخطر بباله السفرُ لذلك، فيُستحب له أن يشاور فيه مَنْ يعلم من حاله النصيحة والشفقة والخيرة، ويثق بدينه ومعرفته، ودلائله كثيرة.

٢ - أنه إذا شاور، وظهر أنه مصلحة، فليقدم استخارةَ الله سبحانه في ذلك؛ فإنها من هديه ﷺ في كل أمر يريده، وكان يعلِّمها كما يعلِّم السورةَ من القرآن، فيصلِّي ركعتين من غير الفريضة، ويدعو بدعاء الاستخارة، ولا تعود الاستخارة إلى نفس الحج؛ فإنه خيرٌ لا محالة، بل تعود إلى تعيين حينِ الشروعِ فيه وتفاصيل أحواله، وإن كان حاجّاً أو معتمراً تعلم مناسك الحج، أو استصحب معه كتاباً في ذلك، ولو تعلَّمها واستصحبَ كتاباً، كان أفضل.

٣ - أن يبدأ بالتوبة، وردِّ المظالم، وقضاء الديون، وإعداد النفقة.

٤ - أن يستصحب من المال الحلال الطيب ما يكفيه لذهابه وإيابه.

٥ - أن يلتمس رفيقاً صالحاً، مُحباً للخير، معيناً عليه، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن جَبُن شَجعه، وإن عجز قواه، وإن ضاق صدره صبره.

٦ - أن يصلي ركعتين في منزله عند إرادة الخروج.

٧ - أن يجعل خروجه يوم الخميس في بكرته؛ فقد دعا النبي ﷺ بالبركة لأمته في بُكورها يومَ الخميس، وكان يحبُّ السفر في هذا اليوم.

٨ - أن يودِّعَ رفقاءه المقيمين، وإخوانه وجيرانه، ويلتمس أدعيتهم؛ فقد كان ذلك من هديه ﷺ.

٩ - أن يقول عند نهوضه: ما أخرجه البيهقي وغيره عن أنس، قال: لم يرد رسول الله ﷺ سفراً قط، إلا قال حين ينهض من جلوسه: "اللهمَّ بك انتشرتُ، وإليك توجهتُ، وبك اعتصمتُ، اللهم أنتَ ثقتي ورجائي، اللهمَّ اكفِني ما أهمَّني، وما لا أهمُّ به، وما أنت أعلمُ به مني، عزَّ جارُك، وجل ثناؤك، ولا إلهَ غيرُك، اللهم زَوِّدني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجهني للخير أينما توجهت"، ثم يخرج.

١٠ - ما في "صحيح مسلم" عن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر، كبر ثلاثاً، ثم قال: "سبحان الذي سخَّر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهمَّ إنا نسألك في سفرنا هذا البرَّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هَوِّنْ علينا سفرنا هذا، واطوِعَنا بُعْدَه، اللهم أنتَ الصاحبُ في السفر، والخليفةُ في الأهل، اللهم إني أعوذُ بك من وَعْثاء السفر، وكآبة المَنْظَر، وسوءِ المُنْقَلَب في المال والأهل".

11 - أن يترك الرفثَ والفسوقَ والجدال.

1٢ - الإحرامُ من دُوَيْرَةِ أهلِه، فقد قيلإن ذلك من تمام الحجّ.

فصل في وجوب الحج والعمرة لله -عز وجل

عن أبي هريرة قال: خطبَنا رسولُ الله ﷺ فقال:" أيها الناس! قد فُرض عليكم الحجُّ فحجوا" رواه أحمد، ومسلم، والنسائي. وقالوا: الحج فريضة محكَمة على كل مكلف حر مسلم مستطيع، يكفر جاحدُها، ويفسق تاركها بغير عذر، ولا يجبُ إلا مرة واحدة، باتفاق الأئمة، وعليه إجماع الأمة، قال الحافظ ابن حجر، والنووي، وغيرهما، وكذلك العمرةُ عندَ من قال بوجوبها؛ كالشافعي: لا تجب إلا مرة واحدة، إلا أن ينذر، فيجبُ الوفاء بالنذر بشرطه.

فصل في وجوب الحج على الفور

عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما، عن النبي ﷺ قال: "تعجلوا -أي الحج-؛ فإن أحدَكم لا يدري ما يعرِضُ له" رواه أحمد، كان ابن عباس يقول: من مات ولم يحج، سأل الرجعة إلى الدنيا، وقرأ قوله تعالى: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ ٩٩﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾] المؤمنون: ٩٩ – ١٠٠[  قال: أَحُجُّ.

فصل في اعتبار الزاد والراحلة

عن أنس في قوله تعالى: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ ]آل عمران: ٩٧[، قال: قيل: يا رسول الله! ما السبيل؟ قال: "الزاد والراحلة"، رواه الدارقطني، والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، وبذلك استدل من قال: إن الاستطاعة في القرآن: هي الزاد والراحلة، والأكثر على أن الزاد شرطُ وجوب، وهو أن يجد ما يكفيه ويكفي من يعول حتى يرجع، وكذا الراحلة شرط وجوب عند ابن عباس، وابن عمر، والثوري، وأكثر الفقهاء.

فصل في ركوب البحر

عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-، قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يركب البحرَ إلا حاجٌّ أو معتمرٌ أو غازٍ في سبيل الله -عز وجل-؛ فإن تحتَ البحر ناراً، وتحت النار بحراً" رواه أبو داود، وسعيد بن منصور، في "سننهما"، والبيهقي.

فصل في حج الصبي والرقيق والحج عن الغير

قال ابن بطال: أجمع أئمةُ الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ، وإذا حج، كان له تطوُّعاً عند الجمهور، والرقيق ينعقد إحرامُه بإذن سيده، وبغير إذنه عند الشافعية، والمالكية، والحنابلة، وعند الحنفية أنه لا ينعقد إحرامه إلا بإذن سيده، ويصح الحج عن الغير، سواء كان حياً أو ميتاً؛ للأحاديث الواردة في ذلك في الصحاح والسنن، وهي كثيرة، منها: حديث ابن عباس، وفيه: قالت: إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال:"نعم"، متفق عليه.


رحلة الصديق إلى البيت العتيق
رحلة الصديق إلى البيت العتيق
محمد صديق حسن خان القنوجي البخاريّ
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00