وهي ثلاث:
١ - الإفراد: وهو للآفاقي أن يحرم من الميقات، فإن دخل مكة قبل الوقوف، طاف للقدوم، ورَمَلَ فيه، وسعى بين الصفا والمروة، ثم بقي على إحرامه حتى يقوم بعرفة، ويرمي ويحلق ويطوف، ولا رمل ولا سعى حينئذ، ولحاضرِ مكة أن يُحرِم منها، ويخرج إلى عرفات، ويكون فيها عشيةَ عرفة، ثم يرجع منها بعد غروب الشمس، ويبيت بمزدلفة، ويدفع منها قبل شروق الشمس، فيأتي منى، ويرمي العقبة الكبرى، ويُهدي إن كان معه، ويحلق أو يقصر، ثم يطوف للإفاضة في أيام منى، ويسعى بين الصفا والمروة، ولا خلاف في جوازه، وليس على المفرد دم إلا أن يتطوع.
٢ - والقِران: وهو أن يحرم الآفاقي بالحج والعمرة معاً، ثم يدخل مكة، ويبقى على إحرامه حتى يفرغ من أعمال الحج، وعليه أن يطوف طوافاً وحداً، ويسعى سعياً واحداً عند أهل المدينة والشافعي، وطوافين وسعيين عند الحنفية، ثم يذبح ما استيسر من الهَدْي، فإذا أراد إن ينفر من مكة، طاف للوداع، وهو أيضاً متفَق على جوازه، وداخل في اسم التمتُّع في الكتاب والسنة وكلامِ الصحابة، وعلى القارن دمُ شاة، إلا أن يكون مكيّاً، فلا شيء عليه.
٣ - والتمتعُّ: وهو أن يُحرم الآفاقيُّ للعمرة في أشهر الحج، فيدخل مكة، ويتم عمرته، ويخرج من إحرامه، ثم يبقى حلالاً حتى يحج، وعليه أن يذبح ما استيسر من الهدي، وهذا يختص باسم التمتع، وحكى النووي الإجماعَ على جواز هذه الأنواع الثلاثة.
فصل في بيان الأفضل من هذه الأنواع
عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-، قالت: خرجنا مع رسول الله ﷺ، فقال: “من أراد منكم أن يُهِلَّ بحج وعمرة، فليفعلْ، ومن أراد أن يُهل بحج، فليهلَّ، ومن أراد أن يُهل بعمرة، فليهل" متفق عليه، وفيه إذن منه ﷺ بالحج: إفراداً، وقِراناً، وتمتعاً، واختلفوا في الأفضل منها.
فصل في نوع حجه ﷺ
اختلفت الروايات في ذلك، روي أنه حج قِراناً من جهة جماعة من الصحابة، منهم: ابن عمر عند الشيخين، وأما حجه تمتعاً: فروي عن عائشة، وابن عمر عند الشيخين، وعلي وعثمان عند مسلم، وأحمد وابن عباس عند أحمد والترمذي، وسعد بن أبي وقاص، وأما حجه إفراداً: فروي عن عائشة عند البخاري، وعن ابن عمر عند أحمد ومسلم، وابن عباس عند مسلم، وجابر عند ابن ماجه، وعنه: عند مسلم.
فصل في إدخال العمرة على الحج وفسخه إليها
وهو جائز بحديث نافع عن ابن عمر عند الشيخين، وفيه: هكذا صنع النبي ﷺ، وإليه ذهب الجمهور، لكن بشرط أن يكون الإدخال قبل الشروع في وطواف العمرة، وقيل: إن كان قبل مضي أربعة أشواط، صحَّ، وهو قول الحنفية، وقيل: ولو بعد إتمام الطواف، وهو قول المالكية.
فصل في مواقيت الحج
عن ابن عباس -رضي الله عنه-، قال: وقّت رسولُ الله ﷺ لأهل المدينة "ذا الحليفة"، ولأهل الشام “الجحفة"، ولأهل نجد "قرن المنازل" ولأهل اليمن "يَلَمْلَم"، قال: "فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهم، فمهله من أهله وكذلك أهل، مكة يهلون منها" متفق عليه، وذات عِرْق -بكسر العين-: ميقات أهل العراق بتوقيت عمر بن الخطاب، وميقات المكي للحج والعمرة: جوفُ مكة.
فصل في ميقات العمرة وهو الحل
قال في "المنهاج": أفضلُ بقاع الحل: الجِعْرَانَّة، ثم التنعيم، ثم الحديبية، وفي "العالم كيرية" التنعيم أفضل.
العالم كيرية: كتاب في الفقه الحنفي على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان تأليف جماعة من علماء الهند برئاسة الشيخ نظام الدين البرنهابوري. تم تأليفه بأمر السلطان أورنك زيب الملقب باسم عالم كير؛ أي: فاتح العالم.
فصل في كراهة الإحرام قبل أشهر الحج
عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، قال: من السنة ألا يُحرم بالحج إلا في أشهر الحج، أخرجه البخاري. وعن ابن عمر، قال: أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة، وللدارقطني مثله عن ابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، وقد استدل بذلك على كراهة الإحرام بالحج قبل أشهر الحج.
فصل في وجوه الإحرام
إذا أراد الإحرام، فإن كان قارناً، قال: “لبيك عمرةً وحجاً"، وإن كان متمتعاً، قال: "لبيك عمرةً"، وإن كان مفرداً، قال: "لبيك حجة"، أو قال:" اللهم إني قد أوجبت عمرة وحجاً"، أو قال: "أوجبت عمرة أتمتع بها إلى الحج".
فصل في الاشتراط
دلت الأحاديث على أن من اشترط، ثم عرض له ما يحبسه عن الحج، جاز له التحلُّل، ولا يجوز التحلل مع عدم الاشتراط، وبه قال جماعة من الصحابة، ومنهم: علي، وابن مسعود، وعمر، وجماعة من التابعين، وإليه ذهب أحمد، وإسحاق، وقال أبو حنيفة، ومالك، وبعض التابعين: إنه لا يصح الاشتراط.
فصل في حكم الهَدْي
اتفق أهل العلم على أن الهدي مستحب للحاج المفرد، وللمعتمر المفرد، وواجب على المتمتع والقارن، وعلى من وجب عليه جزاءُ العدوان على الإحرام، فالمستحب: أنْ يأكله المُهدي ويتصدق به، قال النووي: أجمع العلماء على أن الأكل من هدي التطوع وأضحيته سنة، وأما جزاء العدوان، فلا يأكله، ويتصدق به، وأما دم التمتع والقِران، فلا يأكله عند الشافعي، بل يتصدق بكله، وعند أبي حنيفة: يأكله، ويتصدق به.
فصل فيما يجتنبه المحرم وما يباح له
عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-، قال: سئل رسول الله ﷺ: "ما يلبس المحرِم؟ قال:"لا يلبس المحرم القميص، ولا العمامة، ولا البرنس، ولا السراويل، ولا ثوباً مسه ورسٌ ولا زعفران، ولا الخفين، إلا ألا يجد نعلين، فليقطَعْهما حتى يكونا أسفلَ من الكعبين" رواه الجماعة، وعن ابن عمر: أن النبي ﷺ قال: "لا تنتقب المرأةُ المحرِمة، ولا تلبس القُفَّازَين" رواه أحمد.
فصل في الفدية
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾] البقرة: ١٩٦[، وعن كعب ابن عجرة: قال ﷺ”: هو صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين نصفَ صاع طعاماً لكل مسكين" متفق عليه، وفي راوية علي: "احلقه واذبح شاة، أو صم ثلاثة أيام، أو تصدق بثلاثة آصُع من تمر بين ستة مساكين" رواه أحمد.
فصل في نكاح المحرِم
قال الله تعالى: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾] البقرة: ١٩٧[وعن عثمان: أن رسول الله ﷺ قال”: لا يَنكح المحرِمُ، ولا يُنْكِح، ولا يَخطب" رواه الجماعة إلا البخاري.
فصل في صيد المُحْرِم
قال الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾]المائدة: ٩٦[ واختلف أهل العلم في تفسير الصيد، والجزاء على من قتل صيداً وهو محرِم، ويكون الجزاء مماثلاً للمقتول، ويرجع في ذلك إلى حكم العدلين كما ذهب إليه مالك، ويجوز للمحرم قتل الفواسق الخمس في الحِلِّ والحرم، ولا شيء عليه في قتلها، وهن: الغراب، والحِدَأَة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور.